سياسة الفائدة السلبية: تعريفها وتأثيراتها
سياسة الفائدة السلبية - ايجابياتها وسلبياتها
مقدمة حول أسعار الفائدة السلبية
تعتبر سياسة الفائدة السلبية NIRP من المسائل المثيرة للجدل والتي تكثر الأسئلة بشأنها، وفي الحقيقة هناك حالة من عدم الفهم بخصوص تلك السياسة. في النظام الرأسمالي تقوم البنوك بتقديم القروض للأفراد والمؤسسات مقابل نسبة فائدة يتم تحديدها وتنظيمها من قبل البنوك المركزية.
لكن السؤال! كيف ستكون الأمور في حال كانت أسعار الفائدة سلبية، هل البنوك ستقدم قروض بدون مقابل، أو هل ستدفع للناس أموال مقابل الحصول على القروض؟ بديهياً هذا غير ممكن، فلا يمكن للبنوك أن تقدم قروض بدون فوائد.
ما هي الفائدة السلبية؟
الفائدة السلبية هي سياسة يتم تطبيقها على ودائع الأفراد والمؤسسات في البنوك، وعلى احتياطي البنوك في البنك المركزي. في هذه الحالة سيدفع الأفراد والمؤسسات فوائد مقابل الإحتفاظ بأموالهم في البنوك على عكس ما جرت العادة، ففي الأصل يحصل الأفراد على عوائد مقابل الأموال التي يودعونها في البنوك.
أيضاً في حالة أسعار الفائدة السلبية ستدفع البنوك فوائد مقابل الإحتفاظ بالإحتياطي الخاص بها في البنك المركزي.
تخيل معي أن أسعار الفائدة في دولة ما هي (0.2-)، ماذا يعني ذلك؟ هذا يعني أن مواطني هذه الدول سيدفعون ما قيمته 20% من ودائعهم كفوائد للبنوك مقابل الإحتفاظ بهذه الأموال كودائع. في حالة أسعار الفائدة الموجبة وهو الوضع الطبيعي يحصل الأفراد على فوائد مقابل إيداع الأموال في البنوك.
متى تستخدم الدول سياسة الفائدة السلبية على الودائع؟
تستخدم الدول سياسة الفائدة السلبية في أوقات الركود الاقتصادي، عندما يميل الأشخاص والمؤسسات إلى تخزين الأموال بدلاً من انفاقها واستثمارها. من خلال تلك السياسة يُحجم الأفراد والمؤسسات عن الإحتفاظ بأموالهم كودائع في البنوك، كما تحجم البنوك عن الإحتفاظ بالأموال كاحتياطي في البنك المركزي.
بهذا الشكل تضمن الدولة الحفاظ على مستويات عرض الأموال في السوق، بدلاً من تكديسها في البنوك، كما يعتبر هذا حافز للبنوك لتقديم القروض للأفراد والحصول على فائدة مقابلها، بدلاً من الإحتفاظ بها في البنك المركزي ودفع فوائد لقاء ذلك.
زيادة عرض الأموال في السوق، وتقديم البنوك قروض للأفراد والمؤسسات، سيشجع على الإنفاق والإستهلاك، وسيشجع كذلك الإقتراض لبدء مشاريع جديدة. بهذه الطريقة تكون البنوك المركزية ومن خلال سياسة الفائدة السلبية قد ضمنت على الأقل وفي أسوأ الأحوال عدم تدهور الأمور إلى ما هو أسوأ، لكن هل تعمل هذه السياسة بالشكل المطلوب منها؟
أمثلة على حالات استخدمت فيها سياسة معدلات الفائدة السلبية
في الأصل يتم تطبيق سياسة الفائدة السلبية في حالات اليأس وحالات الركود الشديد ويمكن اعتبارها المحاولة الأخيرة لتعزيز النمو الإقتصادي، بعد أن تقوم البنوك المركزية باستخدام عدد من أدوات السياسة النقدية لتحسين الأوضاع دون أن يُجدي ذلك نفعاً. على سبيل المثال عند خفض معدلات الفائدة لتصبح قريبة من الصفر لكن مع ذلك تبقى حالة الركود كما هي، في هذه الحالة يتم استخدام سياسة الفائدة السلبية.
سياسة الفائدة السلبية طبقتها البنوك المركزية في أوروبا والدول الإسكندنافية واليابان على الاحتياطات المالية الزائدة للبنوك في البنك المركزي، لكن ومع ذلك لا يزال غير واضح إذا ما نجحت هذه السياسة في بتحقيق المطلوب منها وتحسين الوضع الاقتصادي.
استخدم الحكومة السويسرية سياسة الفائدة السالبة في سبعينيات القرن الماضي بعد ارتفاع قيمة عملتها بشكل مبالغ فيه، نتيجة لهروب المستثمرين من ارتفاع معدلات التضخم في أجزاء أخرى من العالم. لنفس السبب استخدمت السويد هذه السياسة في العام 2009 و2010، واستخدمتها الدنمارك في العام 2012.
الإتحاد الأوروبي قام هو أيضاً بتطبيق هذه السياسة في العام 2014 لمنع وقوع دول الإتحاد الأوروبي في دوامة انكماشية، وقد أظهرت النتائج أن هذه السياسة قد خفضت القروض بين البنوك. من أهم الأسباب التي دفعت المركزي الأوروبي أيضاً لاتباع سياسة الفائدة السلبية في ذلك الوقت، هو الرغبة في تخفيض قيمة اليورو من أجل تشجيع الصادرات.
هل سياسة أسعار الفائدة السلبية فعالة ومجدية؟
بشكل أو بآخر نستنج أن سياسة الفائدة السلبية قد ساعدت بعض الدول التي تبنتها في مواجهة أزمات الركود الاقتصادي والدوامات الإنكماشية نوعاً ما، لكن في المقابل لم تؤدي هذه السياسة بالشكل المطلوب منها مع كثير من الدول التي قامت بتطبيقها.
نجاح هذه السياسة من عدمه يعتمد على تظافر الجهود وتطبيق عدد من السياسات الأخرى جنباً إلى جنب لمواجهة حالات الإنكماش والتراجع الاقتصادي. على سبيل المثال، من غير المعقول أن تفرض الدولة فوائد على الودائع في البنوك لمنع تخزين الأموال، ومن جهة أخرى تقوم البنوك بفرض فوائد مرتفعة على طلبات القروض، فهذان خطان متوازيان لا يلتقيان، فلتشجيع الإقتراض وتدوير عجلة الاقتصاد يجب أن تكون معدلات الفائدة على الإقتراض قريبة من الصفر.
هل نجحت الفائدة السلبية مع بنك اليابان؟
بعد الأزمة التي نتجت عن انفجار فقاعة سوق العقارات وسوق الأوراق المالية اليابانية في أوائل التسعينات، وبعد عدد من محاولات انعاش الاقتصاد واعتماد عدد من السياسات النقدية ومن ضمنها برنامج التيسير الكمي، قرر أخيراً بنك اليابان في العام 2016 اعتماد سياسة أسعار الفائدة السالبة.
لكن ومع ذلك وبعد 6 أشهر لم يُظهر الاقتصاد الياباني أي نمو، بل على العكس من ذلك سادت حالة من الفوضى في أسواق السندات، التي اضطرت أكبر بنوك اليابان لمغادرة هذا السوق، حيث أصبحت أسعار السندات في حالة غير مستقرة بسبب تدخلات بنك اليابان.
جميع محاولات بنك اليابان من خلال السياسات النقدية والمالية باءت بالفشل ولم تنجح في انهاء حالة الركود الاقتصادي التي بدأت في أوائل التسعينات، منذ حوالي 25 عام وحتى الآن لم تشهد اليابان أي نمو اقتصادي ملموس.
تأثير الفائدة السلبية على أسواق المال
يراقب المتداولون في سوق الفوركس القرارات بشأن أسعار الفائدة بإعتبارها من أهم المؤشرات الاقتصادية، كما تعتبر هذه الأداة أيضاً من أهم أدوات السياسة النقدية في مواجهة التضخم ودعم حالة التوازن الاقتصادي.
أسعار الفائدة تعطي للمتداول فكرة عن طبيعة الاقتصاد، ففي حال رفع الفائدة يكون هذا بمثابة إشارة على أن الاقتصاد يحقق أرقام جيدة، ويكون هذا سبب لارتفاع قيمة العملة في معظم الأوقات.
على العكس من ذلك، وعند خفض معدلات الفائدة فإن هذا يعطي إشارة على أن الاقتصاد يتباطأ ويتجه نحو حالة من الركود، لهذا السبب تنخفض قيمة العملة في معظم أوقات خفض الفائدة. أما في حال قرر البنك المركزي اتباع سياسة الفائدة السلبية، فهذا يعكس حجم الإرهاق الذي يعاني منه الاقتصاد، وحالة اليأس التي أصابت صناع السياسة النقدية، الأمر الذي يعني مزيد من ضعف النمو وبالتالي المزيد من الضعف في قيمة العملة.
يترقب ملايين المتداولين في سوق الفوركس القرارات بخصوص أسعار الفائدة، وذلك لما تتركه من تأثير على أسعار الأصول المالية المختلفة مثل أزواج العملات والمعادن الثمينة كالذهب والفضة، وتأثيرها كذلك على أسعار النفط ومصادر الطاقة الأخرى مثل الغاز الطبيعي.
الأهم بين قرارات أسعار الفائدة بالتأكيد هو قرار الفائدة الأمريكية، على اعتبار أن معظم التعاملات في سوق الفوركس ترتبط بقيمة الدولار الأمريكي بشكل أساسي، كما أن معظم السلع الهامة كالذهب والنفط يتم تقويمها بالدولار الأمريكي وتتأثر بقيمته بشكل كبير.
اقرأ أيضاً عن: العوامل المؤثرة عى سعر الذهب و العوامل المؤثرة على سعر النفط
أهمية الاعلان عن سعر الفائدة وبيان السياسة النقدية
عند صدور نتيجة قرار الفائدة فإن الأهم من معرفة نتيجة هذا القرار، هو قراءة البيان المصاحب لذلك القرار، فهناك الكثير من العبارات بين السطور التي قد تشير إلى دلالات ذات علاقة بالإقتصاد وتكشف عن خطط مستقبلية، والتي قد تكون هي الأكثر تأثيراً على تحركات أسعار الصرف، لهذا السبب وجدنا أنه وفي بعض حالات رفع الفائدة الأمريكية انخفضت قيمة الدولار الأمريكي والعكس.
في تجارة العملات الأجنبية وعند التداول في سوق الفوركس، يجب فهم المدلولات الاقتصادية والإهتمام بقرارات وخطابات صناع السياسة النقدية فهي تحمل في طياتها الكثير، وهي تكون في كثير من الأحيان صاحبة الكلمة الأولى.
قد تحتاج أن تقرأ أيضاً عن: مفهوم الريبو والريبو العكسي وتأثيرهم على قيمة العملة