ما هي العلاقة بين التضخم وسعر الفائدة وما هو أثرها؟
وما الذي يحدث عند خفض ورفع الفائدة الأمريكية؟
العلاقة بين التضخم وسعر الفائدة
تُعد العلاقة بين سعر الفائدة والتضخم من أهم العلاقات في الاقتصاد، حيث تعتبر أسعار الفائدة هي الأداة الرئيسية للبنوك المركزية من أجل التأثير على معدلات التضخم. بالإضافة إلى ذلك يستطيع الباحث والمختص أن يكون نظرة عن طبيعة الأوضاع الاقتصادية في دولة ما من خلال النظر في تلك المؤشرات الاقتصادية الهامة.
عندما تكون أسعار الفائدة منخفضة، يزداد الطلب على القروض، الأمر الذي يؤدي إلى زيادة المعروض النقدي من الأموال في السوق. وهذا بدوره يقود إلى زيادة الإنفاق وزيادة معدلات الطلب، وبالتالي ارتفاع أسعار السلع والخدمات ومن ثم ارتفاع مستويات التضخم.
في المقابل، فإن رفع أسعار الفائدة يشجع الناس على حفظ الأموال في البنوك والحصول على فوائد أعلى مقابل هذه الودائع، وهذا بدوره يقلل من عرض الأموال في السوق المحلية، الأمر الذي يقود إلى انخفاض الإنفاق وكذلك انخفاض الطلب على السلع والخدمات، ويكون نتيجة ذلك انخفاض الأسعار وانخفاض معدلات التضخم.
بذلك يتضح أن العلاقة بين سعر الفائدة والتضخم هي علاقة عكسية، لهذا السبب نجد أن البنوك المركزية تقوم برفع سعر الفائدة عندما ترغب بتخفيض معدلات التضخم والعكس. حيث تقوم البنوك المركزية بخفض أسعار الفائدة عندما تحتاج إلى رفع مستويات التضخم.
دور السياسة النقدية في معالجة التضخم
في الاقتصاد لا يمكن الحديث عن حالة توازن اقتصادي مطلقة، كما أن الاقتصاد لعبة لا يمكن أن تكون محصلتها صفر، ولو كان الأمر كذلك لما ازدادت الثروة العالمية ولو بمقدار دولار واحد. لذلك تحاول البنوك المركزية من خلال أدوات السياسة النقدية وأهمها أسعار الفائدة، خلق حالة من التوازن الاقتصادي بحيث لا يكون هناك متضررون.
حالة التوازن الاقتصادي هذه يجب أن تكون مرضية للمنتج وبائع الجملة وبائع التجزئة والمستهلك، بحيث لا تتعاظم فائدة واحد من الأطراف على حساب الآخرين.
الوضع المثالي في الاقتصاد هو الذي ينمو فيه المعروض النقدي مع زيادة أعداد السكان وبقاء أسعار الفائدة ثابتة، وهذا أمر أشبه بالمستحيل. لذلك كانت هناك حاجة لتدخل البنوك المركزية واستخدام الأدوات المختلفة للسياسة النقدية من أجل الحفاظ على حالة التوازن الاقتصادي.
سياسة استهداف التضخم
قد يسأل كثيرون، هل تحتاج الدولة إلى رفع أو خفض معدلات التضخم؟ مع أن التضخم في كل أحواله يعتبر من المشكلات الاقتصادية؟ الإجابة نعم. فكما ذكرنا أن معدلات التضخم الصفرية لا يمكن أن تحدث، لأن حالة التوازن المطلق في الاقتصاد غير ممكنة على الإطلاق. بل تسعى الدول إلى خلق حالة أقرب ما تكون إلى حالة التوازن الاقتصادي، والتي كما ذكرنا تكون فيها جميع الأطراف راضية.
عند تحسن المؤشرات الاقتصادية كانخفاض معدلات البطالة وارتفاع متوسط الأجور، يزداد الإنفاق والطلب على السلع والخدمات، وهذا سيقود بالتأكيد إلى ارتفاع أسعارها وبالتالي ارتفاع مستويات التضخم. هذه الحالة لو استمرت قد تسبب ضرر للإقتصاد والمستهلك حيث يصبح من الصعب التعامل مع الأسعار المرتفعة. لذلك تلجأ الدولة إلى رفع أسعار الفائدة لتقليل عرض الأموال في السوق الأمر الذي يؤدي إلى خفض الطلب على السلع والخدمات وبالتالي انخفاض أسعارها وعودة نسبة التضخم إلى مستوياتها المعقولة.
على العكس من ذلك، عند تردي الأوضاع الاقتصادية كزيادة معدلات البطالة وانخفاض متوسط الأجور، فإن ذلك سيقود إلى خفض المعروض من الأموال في الأسواق. هذا ستكون نتيجته خفض الطلب على السلع والخدمات وبالتالي انخفاض أسعارها. وهذه الحالة قد تسبب الضرر للبائعين والمنتجين، لذلك تتدخل الدولة وتقوم بخفض أسعار الفائدة من أجل تشجيع الناس على الإقتراض، الأمر الذي يقود إلى زيادة عرض الأموال في السوق وبالتالي زيادة الطلب على السلع والخدمات وارتفاع أسعارها وعودة التضخم إلى المستويات المرغوبة.
بهذا الشكل يتضح كيف تستخدم البنوك المركزية العلاقة العكسية بين سعر الفائدة والتضخم من أجل خلق حالة من التوازن الاقتصادي تكون مرضية لجميع الأطراف وفئات المجتمع.
اقرأ أيضاً عن: مفهوم التحليل الأساسي للأسواق المالية و الفرق بين التحليل الفني والتحليل الأساسي
تأثير سعر الفائدة الأمريكية على الدول الأخرى
يعتبر الاقتصاد الأمريكي هو الاقتصاد الأول على مستوى العالم. كما يعتبر الدولار الأمريكي هو عملة الإحتياط الأولى عالمياً وهي العملة الرئيسية التي تُستخدم في التبادلات التجارية بين الدول. لذلك تحاول الكثير من الدول ربط عملتها بالدولار، الأمر الذي دفع بعض الإقتصاديين ليطلق على الدولار الأمريكي اسم “ذهب العالم”.
لهذا السبب نجد أن كثير من الدولة العربية بما فيها دول الخليج تراقب عن كثب تطورات أسعار الفائدة الأمريكية، وتتصرف بطريقة مماثلة للطريقة التي يتصرف بها الاحتياطي الفيدرالي. فعندما يرفع أسعار الفائدة بمقدار نصف نقطة على سبيل المثال، تقوم هذه الدول برفع الفائدة أيضاً بمقدار نصف نقطة.
يحدث هذا الأمر كذلك عند خفض أسعار الفائدة، السبب الرئيسي وراء ذلك كما ذكرنا هو هيمنة الدولار الأمريكي، فمن وراء هذه السياسة تهدف تلك الدول إلى الحفاظ على سعر صرف عملتها مقابل العملات الأخرى.
تعرف على: أسباب ارتفاع وانخفاض سعر الدولار الأمريكي
العلاقة بين سعر الفائدة وسعر الصرف
يتم رفع سعر الفائدة عند تحسن المؤشرات الاقتصادية، وهذا يعطي دلالة على قوة الإقتصاد، لهذا السبب ترتفع قيمة عملة الدولة عند رفع أسعار الفائدة. على العكس من ذلك فخفض أسعار الفائدة يشير إلى اقتصاد يتباطأ، لهذا السبب ينخفض سعر صرف العملة عند خفض الفائدة.
اقرأ أيضاً عن: أسباب ارتفاع وانخفاض سعر العملة
طالما أن العلاقة بين سعر الفائدة وسعر الصرف علاقة طردية، لماذا كان ينخفض الدولار الأميركي عند رفع الفائدة الأمريكية؟
كنا قد لاحظنا أن رفع الفائدة الأمريكية في العام 2018 كان ينتج عنه انخفاض في قيمة الدولار الأمريكي، والأصل في مثل هذه الحالة أن ترتفع قيمة الدولار، ما هو السبب وراء ذلك؟ توجد عدد من الأسباب نذكرها فيما يلي :
- البنك المركزي الأمريكي كان يشير في كل مرة يتم فيها رفع سعر الفائدة، إلى أن عمليات الرفع سوف تتوقف قريباً. وهذا كان يعطي إشارة للمتداولين أن الاقتصاد قد وصل إلى ذروته وأن عمليات خفض للفائدة قد تبدأ في أقرب وقت.
- في بعض الأحيان أخرى كان يتم رفع سعر الفائدة بأقل من المتوقع، على سبيل المثال يكون المتوقع أن يتم رفع الفائدة بمقدار نصف نقطة فيتم رفعها بمقدار ربع نقطة.
- في بداية العام يتم الحديث عن عدد مرات رفع سعر الفائدة، مثلاً كان الحديث عن رفع الفائدة الأمريكية في العام 2018 أربع مرات، لكن تم تعديل ذلك لتصبح عدد مرات رفع الفائدة 3 مرات.
كل هذه الإشارات كانت كفيلة بأن تدفع المتداولين لبيع الدولار الأمريكي حتى عند رفع سعر الفائدة الأمريكية.
توقعات أسعار الفائدة وتأثيرها على الأسواق
أمر آخر، وهو له علاقة بقاعدة موجودة في سوق الفوركس تقول “أن الأسواق تشتري مع الإشاعة وتبيع مع الخبر”. لهذا السبب كنا نرى أن الأسواق كانت تقبل على شراء الدولار الأمريكي قبل رفع الفائدة بسبب توقعهم بأن تتم عملية الرفع في اجتماع الإحتياطي الفيدرالي المقبل. لكن عندما يجتمع الفيدرالي ويتم رفع الفائدة، ثم يأتي بيان السياسة النقدية بأقل من التوقعات، يتم على الفور بيع الدولار الأمريكي والبدء بجني الأرباح.
نفس الأمر ينطبق تماماً على عمليات خفض الفائدة الأمريكية في العام 2019. حيث لاحظنا أن خفض سعر الفائدة نتج عنه ارتفاع في قيمة الدولار الأمريكي، والأصل في منطق الأسواق أن تنخفض قيمة الدولار. والسبب وراء ذلك هو تخفيض الفائدة بأقل من المتوقع، والحديث عن أن عمليات خفض الفائدة لن تتم بشكل متسارع، إضافة إلى أن الأسواق تكون قد باعت الدولار مع الإشاعة، وتعود لتشتري وتبدأ بجني الأرباح مع الخبر خصوصا عندما يأتي بيان السياسة النقدية مخالف للتوقعات.
تعرف بالتفصيل على: سياسة أسعار الفائدة السلبية
تأثير سعر الفائدة على الذهب
توجد علاقة عكسية بين الدولار الأمريكي وأسعار الذهب، فعند ارتفاع قيمة الدولار الأمريكي ينخفض سعر الذهب والعكس. لذلك عند رفع سعر الفائدة الأمريكية ترفع قيمة الدولار الأمريكي وتنخفض أسعار الذهب، لكن عند خفض سعر الفائدة الأمريكية تنخفض قيمة الدولار الأمريكي وترتفع أسعار الذهب.
لكن ماذا لو حدث وتم رفع سعر الفائدة الأمريكية ونتج عن ذلك انخفاض في قيمة الدولار الأمريكي؟
لا يرتبط سعر الذهب بسعر الفائدة بقدر ما يرتبط بقيمة الدولار الأمريكي، فلو انخفضت قيمة الدولار الأمريكي عند رفع سعر الفائدة سيؤدي ذلك إلى ارتفاع أسعار الذهب وفقاً للعلاقة العكسية بين قيمة الدولار الأمريكي وسعر الذهب.
في الخلاصة، لا يمكن الحديث عن علاقة عكسية وثيقة بين سعر الفائدة وسعر الذهب. ففي كثير من الأحيان كانت ترتفع أسعار الذهب في ظل أسعار الفائدة المرتفعة والعكس. حيث أن أسعار الذهب ترتبط بمجموعة من العوامل أهمها قيمة الدولار الأمريكي وحالة الاستقرار من عدمه، حيث يعتبر الذهب أهم الملاذات الآمنة في أوقات الصراعات والحروب.
العوامل التي تؤثر على سعر الذهب تحدثنا عنها في مقال مفصل بعنوان تجارة الذهب عبر الإنترنت.
اقرأ أيضاً عن: تأثير سعر الفادة على الأسهم والنفط والسندات