الاقتصاد السياسي والعلاقات الاقتصادية الدولية
العلاقة بين السياسة والاقتصاد
تعريف الاقتصاد السياسي
يمكن تعريف الاقتصاد السياسي على أنه أحد فروع العلوم الاجتماعية، هذا العلم يركز على العلاقة المتبادلة بين الفرد والحكومة والسياسة العامة. يدرس الاقتصاد السياسي أيضاً كيفية ظهور النظريات الاقتصادية مثل الرأس مالية والشيوعية والإشتراكية، كما يدرس طريقة تأثير التاريخ والعادات والثقافة والسياسة العامة على النظام والحياة الاقتصادية.
يُنظم علم الاقتصاد طريقة توزيع كمية محدودة من الموارد بطريقة مفيدة على أكبر عدد من الأفراد. هذا الإرتباط الوثيق للإقتصاد ب “لقمة العيش” وبتوزيع الموارد والثروة جعله محط اهتمام الكثيرين من ساسة ومشرعين وحتى عامة الشعب.
الاقتصاد كذلك كان المعيار الأهم والأساس للحكم على “طريقة إدارة الدولة” وللحكم على أداء السياسيين، لهذا السبب نجد ان البرامج الانتخابية لمرشحي السلطات في الدول الديمقراطية ترتكز بشكل رئيسي حول الجانب الاقتصادي وتحسين الظروف المعيشية للأفراد.
يشهد التاريخ الحديث كيف أن الشعوب قد كافأت السياسيين الذين تحقق نوع من الإزدهار الاقتصادي في فترات حكمهم، كما توجد أدلة على شعوب قد عاقبت حاكميها بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية وانتشار الفقر والبطالة، وما الثورات العربية عنا ببعيد. أهمية الاقتصاد أيضاً كانت سبباً في اتباع أساليب جديدة في الحكم فظهرت الشيوعية والإشتراكية والرأسمالية.
عمل الاقتصاد السياسي لم يرتبط فقط بتأثير أداء السلطات على الواقع الاقتصادي على الصعيد المحلي، بل امتد ليؤثر على العلاقات الدولية، وليكون مدخلاً لأشكال مختلفة من العلاقات بين الدول.
الاقتصاد السياسي وأثره على الصعيد المحلي
في الدول الديمقراطية تختار الشعوب حكامها وتترك لهم مهام إدارة الدولة بكافة جوانبها وسلطاتها “التشريعية والتنفيذية والقضائية”. هذا وتعتبر مسألة تنظيم الواقع الاقتصادي وتحقيق التنمية من خلال خلق فرص عمل وزيادة معدلات الأجور وتقليل معدلات البطالة، من أهم الأمور التي يجب على السلطات العمل على تحقيقها بكافة السبل المشروعة خلال فترة الحكم.
يختار رئيس الدولة أو السلطة التنفيذية الأعلى رئيس البنك المركزي وأعضائه. ويوكلوا إليهم مهمة تنظيم الواقع الاقتصادي وصولاً إلى حالة التوازن من خلال عدد من الأدوات ضمن اختصاص وسلطات هذه البنوك. هذه الأدوات تشمل السياسة النقدية بشقيها “التسهيلية والتشديدية”. ومن ضمن هذه الأدوات أيضا أسعار الفائدة. وكمية الأموال الجديدة التي سيتم طباعتها وضخها في السوق المحلي، للحفاظ على حالة الإنتعاش وللحفاظ على مستويات تضخم معقولة.
لكن وبما أن أمر اختيار رئيس البنك المركزي وعزله هو من ضمن سلطات رئيس الدولة، كان ذلك سبباً للتدخل المباشر في عمل هذه البنوك وقرارتها. وقد شهد العالم أمثلة كثيرة على هذه التدخلات، ومثال ذلك التهجم الشديد من الرئيس الأميركي “دونالد ترامب” في فترة رئاسته على رئيس الإحتياطي الفيدرالي “جيروم باول” والتهديد بعزله في أكثر من مناسبة، لرفضه الإستماع له فيما يخص تخفيض معدلات الفائدة.
لنفس السبب قام الرئيس التركي “أردوغان” بعزل رئيس البنك المركزي التركي أكثر من مرة، وهذا بدوره أثر سلباً على قيمة الليرة التركية التي فقدت أكثر من نصف قيمتها، في ظل عدم استقرار السياسة النقدية.
العلاقة بين الاقتصاد والسياسة
في الحقيقة حالة الجدل لا تنتهي بين صناعة الساسة والإقتصاديين، كما أن تدخلات الساسة في القرارات الاقتصادية ماضية لا تتوقف، لكن هل هذا بالفعل مجدي؟
علم الاقتصاد علم متشعب متعدد الفروع، يحتاج إلى متخصصين وبارعين يكونوا بالفعل قادرين على الإرتقاء بالواقع الاقتصادي وصولاً إلى حالة التوازن. ثم ان تدخل الساسة في عمل الاقتصاد هو تكريس لسلطة الشخص الواحد وهذه السياسة أثبتت في كل مرة فشلها وتحقيقها لنتائج كارثية مضرة بالإقتصاد، هذا عدا عن أن كثير من حالات تدخل السلطات التنفيذية في عمل الإقتصاد يكون اهدف منها تحقيق مصالح وأطماع شخصية.
في الأصل تُوكل مهمة تنظيم الواقع الاقتصادي للإقتصاديين والبنوك المركزية، على أن تقوم السلطات التشريعية والتنفيذية بدور المراقب. السلطة التنفيذية يجب أن تتخذ قرارتها بخصوص تعيين وعزل رئيس وأعضاء البنك المركزي وفقاً للمعطيات على الأرض، ومدى التقدم في تحقيق الأهداف المعدة مسبقاً بعيد عن الهوى والميل الشخصي.
في كثير من الحالات ويشهد التاريخ “أن تدخل الساسة في الاقتصاد أفسده، وجلعوا أعزة أهله أذلة، وساء صباح العالمين”.
الاقتصاد السياسي الدولي – كيف يؤثر على العلاقات بين الدول؟
سمحت العولمة بتحويل العالم إلى ما يشبه قرية صغيرة، فأصبح الشخص الذي يسكن في بلدة نائية في أطراف العالم، قادر على اقتناء ما يريد من أي دولة، إذا توفر له جهاز حاسوب وخط انترنت. العولمة سمحت أيضا بظهور الشركات متعددة الجنسيات وأحدثت تأثيراً كبير على صعيد العلاقات الدولية.
الدول الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية تقر موازنتها في كل عام بعجز يصل إلى مليارات الدولارات. السؤال، كيف تستطيع هذه الدول تغطية هذا العجز؟
في الحقيقة كان الاقتصاد بوابة للكثير من الحروب والصراعات، ولا أدل من ذلك إلا الحرب التجارية التي يقودها الرئيس الأميركي دونالد ترامب ضد الصين في الوقت الحالي، عدا عن حرب ناقلات النفط في المضائق والخلجان حول العالم. لأجل النفط والمعادن الثمينة ومصادر الطاقة أيضاً، قامت الكثير من الحروب ونزفت الكثير من الدماء. ولأغراض اقتصادية كذلك تشكلت تحالفات دولية وانهارت تحالفات أخرى.
من الأمثلة الصارخة على تأثير الاقتصاد السياسي على العلاقات الدولية، ما يحدث الآن في قضية خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي “البريكست”، فلأغراض سياسية وافق الشعب البريطاني على الخروج من الإتحاد الأوروبي، لكن هذا الأمر لم يرق لدول الإتحاد فقامت بمعاقبة بريطانيا اقتصادياً، الأمر الذي كان نتيجته انخفاض قيمة الإسترليني بشكل كبير. كما يتوقع أن تخرج بريطانيا من السوق الموحدة، الأمر الذي ستكون نتائجه خسائر بمئات المليارات من الجنيهات الإسترلينية.
المتتبع لقضية البريكست، يعلم تماماً كيف تتلاعب دول الإتحاد الأوروبي وفي مقدمتها ألمانيا في بريطانيا بشكل مستفز، وكيف أن هذا الأمر قد سبب تغييرات سياسية كبيرة في بريطانيا خلال مدة قصيرة. فخلال 3 سنوات كانت هناك انتخابات مبكرة، ثم استقالة لرئيسة الوزراء تيريزا ماي، وحالة من الغموض السياسي التي لم تنتهي بعد والتي كان لها نتائج سيئة على اقتصاد المملكة العظمى.
تأثير السياسية على قيمة العملة وأسواق المال
تعتبر الأحداث السياسية من أهم المؤثرات على أسواق المال، لهذا السبب كانت نتائج الانتخابات من أهم المؤثرات على تحركات أسعار الأصول المالية المختلفة، فتفاؤل الأسواق بانتخاب ماكرون لرئاسة فرنسا قاد إلى ارتفاع اليورو إلى مستويات قياسية.
تأثير السياسة على سوق المال جعل من متابعة حساب الرئيس الأميركي “دونالد ترامب” على تويتر شيئاً أساسيا في أجندة المتداول اليومية. تغريدات ترامب على تويتر أحدثت الكثير من التقلبات المفاجئة في سوق الفوركس، والتي بدورها أربكت توقعات كثير من المحللين، وكانت سبباً للربح لبعض المتداولين، كما كانت أيضاً سبباً للخسائر لآخرين.
في هذا السياق، قد تكون مهتماً بالتعرف على عناصر ونقاط قوة ونقاط ضعف الإقتصاد السعودي